***** الدين بين الفطرة و المجتمع ****
-------------------------------------------------------------------------------------
بقلم : خالد احباروش
--------------------------
إن الانسان مفطور على التدين (( لهذا السبب حاول الحديث النبوي - المعروف بحديث الفطرة - أن يطابق بين تلك الفطرة الأولية من جهة و بين الدين الاسلامي كما بزغ وفق الشروط السوسيو/ تاريخية لشبه الجزيرة العربية في القرن السابع الهجري من جهة أخرى )) .
بيد انه ثمة مسألة فكرية لا مناص من الاشارة إليها : ألا وهي ملامسة الفروق الكائنة بين سيكولوجية التدين الناشئة من طبيعة الدماغ ( و أقصد حضور الروحانية فيه كحالة إنسانية عامة ومجردة أي كاستعداد انساني اولي لممارسة التدين بغض النطر عن جنسه ولونه وعرقه و مكانه وزمانه ... ) وبين انبثاق الدين التاريخي الملموس : أي كمعطى سوسيوثقافي خاص بسياق محدد في مجتمع مخصوص(*)
يولد الانسان بفطرة التدين لكن حينما يشرع في تعلم طقوس دين مجتمعه يكون قدخصص هذه الفطرة في إطار ذاك الدين التاريخي
1// سيكولوجية فطرة التدين
--------------------------------------------------
إن الأساس البيو/ سيكولوجي للتدين , ناشئ من عدة عناصر
اولا /: ناشئ من الاحساس الطبيعي بالقلق الوجودي :
-----------------------------------------------------
الوعي الغامض بماهية الموت - مع كل ما يثيره ذلك من قلق نفسي . أدى , و سيؤدي , حتما الى نشوء ما يمكن تسميته بالقلق الميتافيزيقي . هـذا الأمر يستدعي أسئلة حول المصير الوجودي....
كل التساؤلات النابعة مـن الوعي بالحياة والموت و الوجود والعدم تحضر في النفس :
أنا سأموت حتما يوما ما ... لكن ما هو مصيري بعد الموت ؟
سؤال طُــرح منذ فجر الانسانية : أي منذ أن صار الإنسان العاقل يدرك أن مصيره المحتوم هو التلاشي وأن وجوده الطبيعي تنتظره نهاية لا مناص منها .
بما أن التساؤل كان يتمحور حول ما وراء الطبيعية فلا بد للإجابة أن تأتي بشكل ميتافيزيقي : ( أي بطريقة تتمحور حول ما وراء الطبيعة)
و لفد كانت الإجابات الماورائية التي قدمت لهذا السؤال المقلق - طوال التاريخ الانساني - خاطئة تماما ))
ثانيا /: ناشئ من الاحساس بالعجز أمام الطبيعة
------------------------------------------------
و هو العجز وقت الإنقلابات الطبيعـية بشكل يثير الهلع خصوصا لحظة ( الزلازل الكبرى و البراكين و الاوبئة الفتاكة و الفيضانات المدمرة والرعد و الصواعق ....الخ )
أي لحظة الكوارث القاتلة التي لا يستطيع الانسان تفسير أسبابها الفزيائية فينبري يفسرها بقوى ما ورائية
ثالثا / ناشئ عن الخوف من المجهول
-----------------------------------------------
يطمـئـن الانسان للمعلوم و يجنح - بالفطرة - نحو المعروف اي ما جرت عليه العادة ..
.و يـقـلق في كل لحظة يرتاد فيها المجهـول . لكنه -- و من أجل أن يتغلب على قلقه -- تعلم الانسان باكرا كيف يتسلح - نفسيا - بالعرائم والتمائم و الدعوات من و التبرك بالقوى الغيبية بغية استجلاب عونها ضد الأهوال المحدقة . ........الخ
إذن , سيكولوجية التدين هي أولية في الانسان و هي صفة عامة تشمل الجنس البشري
إنها تحضر كمعظى بيو/ سيكولوجي أولي في الطبيعة البشرية { بغض النظر عن اللون والجنس والزمان والمكان}
تحضر كميزة تطورية جعلت الكائن البشري يقاوم غربته الوجودية خـاصةً بعد أن تطور كي يكون عاقلا أي منذ أن صار واعيا بالاخطارالمستقبلية المحدقة بوجوده خلافا للحيوانات غير العاقلة ....
فالتدين كان ضرورة تطورية عند الانسان البدائي و كان اداة سيكولوجية فعالة للاستئناس بهول الموت والطبيعة الموحشة و المتقلبة في الادغال والبراري
لكن كلما ازداد فهم الانسان للطبيعة والكون و الموت كلما خفت لديه القلق الميتافيزيقي و ضعف
ما انفك الانسان يكتشف رويدا رويدا , ان التدين لم يكن - في الواقع - إلا اصطفاءا تطوريا ذا صبغة بيو/ سيكولوجية
و قد حصل الاصطفاء لتك الميزة منذ البدايات الاولى لتطور وعيه حول مصيره المجهول لفد أصبح الانسان - اليوم- في وضع معرفي مهم ما فتئ يتراكم . و كلما ادرك عمق هذه الامور خفت لديه الإحساس بالتدين . هذا ما أدى بأغلب العلماء الكبار اليوم أن يكونوا لادينيين .
لكل هذه الأسباب يجوز القول :
إن الانسان في لب كينونته كان دائما كائنا رمزيا متدينا . لكن رمزية تدينه تلك لم تكن في الحقيقة سوى تلك القدرة التطورية على الإستئناس الرمزي بالقلق الميتافيزيقي
و تحضر لاعطاء اجابات ما ورائية تنهي قلقه وتعيده الى الطمأنينة الوجودية
2// الدين
-----------------------
الدين هو أداء مخصوص يتحقق في السياقات الحضارية و يحضر كمعطى سوسيو/ثقافي في سياق تاريخي معين .
إنه يتجلى كإطار رمزي يقوم بقولبة فطرة التدين لصالحه -- أي يقوم بقولبة تلك الروحانية العامة التي اصطفاها التطور عند الهوموسابينز لصالحه
ثم يختزلها في شكل منظومة تاريخية من الطقوس التعبدية / الرمزية و في شكل سلسلة من القواعد السلوكية/ الاجتماعية
دورالدين إذن هو تقديم جملة من الاجابات الخاصة و الملموسة في الواقع المعيش للتساؤلات الميتافيزيقية العامة و المجردة ( أي تلك الناشئة عن القلق الوجودي الميتافيزيقي و عن العجز أمام قسوة الطبيعة و عن الخوف من المجهول )
يحاول الدين خلق المعنى ضد اللامعنى اي خلق المألوف ضد المجهول بما يؤدي إلى تكريس الطمأنينة ضد القلق
بهذا الابداع الخيالي استطاع الانسان أن يقهر غربتة الوجودية قهرا سيكولوجا
الأمر المهم بالنسبة للدين هو تحقيق الطمانينة النفسية في بعديها الميتافيزقي والاجتماعي ( الايـمــان بـالــمــاوراء مع ترابط الجماعة ) ,
------------------------------------------------------
هامش
(*) [ ( أشبه علاقة التدين و الدين بعلاقة ملكة اللغو باللغة كما تحدث عنها نعوم تشومسكي ( الطفل يولد بملكة اللغو -- بما هي استعداد انساني عام لإتقان اي لغة -- ...
حينما يشرع الطفل المولود في تعلم لغة مجتمعه-- ( أي تلك اللغة الملموسة و الحاضرة أمامه كمعطى ثقافي /تاريخي محدد -- ) يكون قد خصص ملكة اللغو عنده
-------------------------------------------------------------------------------------
بقلم : خالد احباروش
--------------------------
إن الانسان مفطور على التدين (( لهذا السبب حاول الحديث النبوي - المعروف بحديث الفطرة - أن يطابق بين تلك الفطرة الأولية من جهة و بين الدين الاسلامي كما بزغ وفق الشروط السوسيو/ تاريخية لشبه الجزيرة العربية في القرن السابع الهجري من جهة أخرى )) .
بيد انه ثمة مسألة فكرية لا مناص من الاشارة إليها : ألا وهي ملامسة الفروق الكائنة بين سيكولوجية التدين الناشئة من طبيعة الدماغ ( و أقصد حضور الروحانية فيه كحالة إنسانية عامة ومجردة أي كاستعداد انساني اولي لممارسة التدين بغض النطر عن جنسه ولونه وعرقه و مكانه وزمانه ... ) وبين انبثاق الدين التاريخي الملموس : أي كمعطى سوسيوثقافي خاص بسياق محدد في مجتمع مخصوص(*)
يولد الانسان بفطرة التدين لكن حينما يشرع في تعلم طقوس دين مجتمعه يكون قدخصص هذه الفطرة في إطار ذاك الدين التاريخي
1// سيكولوجية فطرة التدين
--------------------------------------------------
إن الأساس البيو/ سيكولوجي للتدين , ناشئ من عدة عناصر
اولا /: ناشئ من الاحساس الطبيعي بالقلق الوجودي :
-----------------------------------------------------
الوعي الغامض بماهية الموت - مع كل ما يثيره ذلك من قلق نفسي . أدى , و سيؤدي , حتما الى نشوء ما يمكن تسميته بالقلق الميتافيزيقي . هـذا الأمر يستدعي أسئلة حول المصير الوجودي....
كل التساؤلات النابعة مـن الوعي بالحياة والموت و الوجود والعدم تحضر في النفس :
أنا سأموت حتما يوما ما ... لكن ما هو مصيري بعد الموت ؟
سؤال طُــرح منذ فجر الانسانية : أي منذ أن صار الإنسان العاقل يدرك أن مصيره المحتوم هو التلاشي وأن وجوده الطبيعي تنتظره نهاية لا مناص منها .
بما أن التساؤل كان يتمحور حول ما وراء الطبيعية فلا بد للإجابة أن تأتي بشكل ميتافيزيقي : ( أي بطريقة تتمحور حول ما وراء الطبيعة)
و لفد كانت الإجابات الماورائية التي قدمت لهذا السؤال المقلق - طوال التاريخ الانساني - خاطئة تماما ))
ثانيا /: ناشئ من الاحساس بالعجز أمام الطبيعة
------------------------------------------------
و هو العجز وقت الإنقلابات الطبيعـية بشكل يثير الهلع خصوصا لحظة ( الزلازل الكبرى و البراكين و الاوبئة الفتاكة و الفيضانات المدمرة والرعد و الصواعق ....الخ )
أي لحظة الكوارث القاتلة التي لا يستطيع الانسان تفسير أسبابها الفزيائية فينبري يفسرها بقوى ما ورائية
ثالثا / ناشئ عن الخوف من المجهول
-----------------------------------------------
يطمـئـن الانسان للمعلوم و يجنح - بالفطرة - نحو المعروف اي ما جرت عليه العادة ..
.و يـقـلق في كل لحظة يرتاد فيها المجهـول . لكنه -- و من أجل أن يتغلب على قلقه -- تعلم الانسان باكرا كيف يتسلح - نفسيا - بالعرائم والتمائم و الدعوات من و التبرك بالقوى الغيبية بغية استجلاب عونها ضد الأهوال المحدقة . ........الخ
إذن , سيكولوجية التدين هي أولية في الانسان و هي صفة عامة تشمل الجنس البشري
إنها تحضر كمعظى بيو/ سيكولوجي أولي في الطبيعة البشرية { بغض النظر عن اللون والجنس والزمان والمكان}
تحضر كميزة تطورية جعلت الكائن البشري يقاوم غربته الوجودية خـاصةً بعد أن تطور كي يكون عاقلا أي منذ أن صار واعيا بالاخطارالمستقبلية المحدقة بوجوده خلافا للحيوانات غير العاقلة ....
فالتدين كان ضرورة تطورية عند الانسان البدائي و كان اداة سيكولوجية فعالة للاستئناس بهول الموت والطبيعة الموحشة و المتقلبة في الادغال والبراري
لكن كلما ازداد فهم الانسان للطبيعة والكون و الموت كلما خفت لديه القلق الميتافيزيقي و ضعف
ما انفك الانسان يكتشف رويدا رويدا , ان التدين لم يكن - في الواقع - إلا اصطفاءا تطوريا ذا صبغة بيو/ سيكولوجية
و قد حصل الاصطفاء لتك الميزة منذ البدايات الاولى لتطور وعيه حول مصيره المجهول لفد أصبح الانسان - اليوم- في وضع معرفي مهم ما فتئ يتراكم . و كلما ادرك عمق هذه الامور خفت لديه الإحساس بالتدين . هذا ما أدى بأغلب العلماء الكبار اليوم أن يكونوا لادينيين .
لكل هذه الأسباب يجوز القول :
إن الانسان في لب كينونته كان دائما كائنا رمزيا متدينا . لكن رمزية تدينه تلك لم تكن في الحقيقة سوى تلك القدرة التطورية على الإستئناس الرمزي بالقلق الميتافيزيقي
و تحضر لاعطاء اجابات ما ورائية تنهي قلقه وتعيده الى الطمأنينة الوجودية
2// الدين
-----------------------
الدين هو أداء مخصوص يتحقق في السياقات الحضارية و يحضر كمعطى سوسيو/ثقافي في سياق تاريخي معين .
إنه يتجلى كإطار رمزي يقوم بقولبة فطرة التدين لصالحه -- أي يقوم بقولبة تلك الروحانية العامة التي اصطفاها التطور عند الهوموسابينز لصالحه
ثم يختزلها في شكل منظومة تاريخية من الطقوس التعبدية / الرمزية و في شكل سلسلة من القواعد السلوكية/ الاجتماعية
دورالدين إذن هو تقديم جملة من الاجابات الخاصة و الملموسة في الواقع المعيش للتساؤلات الميتافيزيقية العامة و المجردة ( أي تلك الناشئة عن القلق الوجودي الميتافيزيقي و عن العجز أمام قسوة الطبيعة و عن الخوف من المجهول )
يحاول الدين خلق المعنى ضد اللامعنى اي خلق المألوف ضد المجهول بما يؤدي إلى تكريس الطمأنينة ضد القلق
بهذا الابداع الخيالي استطاع الانسان أن يقهر غربتة الوجودية قهرا سيكولوجا
الأمر المهم بالنسبة للدين هو تحقيق الطمانينة النفسية في بعديها الميتافيزقي والاجتماعي ( الايـمــان بـالــمــاوراء مع ترابط الجماعة ) ,
------------------------------------------------------
هامش
(*) [ ( أشبه علاقة التدين و الدين بعلاقة ملكة اللغو باللغة كما تحدث عنها نعوم تشومسكي ( الطفل يولد بملكة اللغو -- بما هي استعداد انساني عام لإتقان اي لغة -- ...
حينما يشرع الطفل المولود في تعلم لغة مجتمعه-- ( أي تلك اللغة الملموسة و الحاضرة أمامه كمعطى ثقافي /تاريخي محدد -- ) يكون قد خصص ملكة اللغو عنده
Aucun commentaire:
Publier un commentaire