**** قراءة نقدية وجيزة في بعض ملامح قصيدة ( أفـــــــــــــــراح ){1}****
للشاعر الاستاذ / رفعت بروبى
بقلم : خالد أحباروش
----------------------------
بادئء ذي بدء لا مناص من الاشادة الفعلية بالمجهود الابداعي الذي يبذله الشاعر بغيةَ الرقي بالمتن الشعري الى المستوى الذي يرضى القارئ عموما
لكن لا بد للمبدع أيضا أن يستحضر الشعر بصفته وحدةً من الصور التي تسعى الى تشكيل القطعة الفنية تشكيلا متماسكا و بلغة غير تقريرية
[ كنت أشرت الى مثل هذه الأمور في نص سابق كتبته على إحدى الصفحات الالكترونية {2} ]
و الحق يقال , إني تفاعلت مع القصيدة أيما تفاعل في البداية . لقد حقق الشاعر انطلاقةً ابداعيةً جيدة تُحسب له ,
يقول :
خلع الربيـــع على الحبيبة حسنـه .. و الطير عاد مغــــــردآ ومزفزفـــــا !!
أما النسيم فلم يراقص غيرهــــــــا .. رقص النسيم مع الحبيبـة واختفى !
حضر ( الكمان ) مشاركــآ ومهنئـــــآ .. لما أتى ولج الحــدائق عازفـــــــــا !!!!
و( العود) أرسل لحنه متناغمــــــــآ .. لمـّا أتى كان الحضـــور مشــــّرفــا !!
في هذا التدفق الشعري الممتاز تحضر . لاشك - لوحة فنية متقنة
إن الصور الاحتفالية هنا تنثال بطريقة أخاذة : فانطلاقا من خلع الربيع حسنه على الحبيبة و تغريد الطير المزفزف و رقص النسيم إلى عزف الكمان بمصاحبة العود تتظافر التصاوير الشعرية البديعة -- آخذةً بعناق بعضها -- في لوحة تشكيلية واحدة بما يشير إلى عــرسٍ للحبيبة خلاقٍ .
بيد اني أصبت بالخيبة لما رأيت الشاعر يفسد عرسه الجميل هذا بإقحام صور شعرية شاذة عن السياق بل مبهمة ,
فالصور التي يستدعيها - زحف الرمل - مثلا تلقي بألوانها الشاحبة على الاحتفال الذي أشرنا إليه .
يقول :
والرمـل من فرح تســّلل خفيــــة .. وأتــى يشاركنـــا السعادة زاحفــــا !!!
لنلتفت إلى معني مادة [ رم ل ]
الــرّمْل : بتسكين الميم
الفتات من الحصى المشكل للرمال ...
الرَّمَل : -بتحريك الميم-:
الهرولة، وأحسن بيان لمعنى الرمل قول صاحب النهاية: رمل يرمل رملاً ورملاناً: إذا أسرع في المشي وهز كتفيه.
الرمل سُنَّة من سنن الطواف، يسن في الأشواط الثلاثة الأولى من كل طواف بعده سعي،
وعليه جمهور الفقهاء، وسنية الرمل هذه خاصة بالرجال فقط دون النساء،
الرَّمَل : المظر الضعيف . وسمى العرب السَّنَة التي لا خير فيها بالرملاء أي السنة المجدبة لقلة الامطار فيها .
كل هذه المعاني لا تسعف الشاعر في البناء الدلالي الجميل
فالرمال إذا زحفت لا تبقي ولا تذر
و المطر الضعيف لا يمكن أن يكون زاحفا بل لا خير فيه .
ليس خافياً علينا أن هاجس الوزن الشعري استبد بالمبدع كثيرا :
إن عبارة - زاحفا -الواردة في البيت , لا مبرر لها سوى أنها أتت انسياقاً مع توالي القافية على حساب تناسق المضمون ظبعا .
حاول المبدعِ تنميقَ يشاعةِ الصورة الغريبة الكامنة في [ تسلل الرمل -- خفية و بشكل زاحف -- عبر إضفاء صفة الفرح عليه و جعله مشاركا في السعادة ] , إلا أن الأمر لم يستقم له .
ثمة فشل دلالي حاد .
تساءلت إن كان الشاعر يقصد شيئا آخر غير الذي فهمتُ من كلمة - الرمل - كما رأيتا .ففكرت فيما إذا كانت عبقريته الشعرية , امتدت به إلى أن يُـشرك - في احتفاليته تلك - بحر الرمل العروضي .
أي أن بحر الرمَل -- الذي صاغ عليه قصيدته -- أتى يشارك - بطريقته الايـقاعية الاحتفالية - عزف الكمان و العود وتغريد الطيور و رقص النسيم ... إلخ .
لكن , كم خاب ظني حين اكتشفت أنها على البحر الكامل -- ذلك بعد أن قطعت القضيدة تقطيعا عروضيا طبعا -- وقتئذ عرفت أنني أمام شاعرٍ ما زال في البداية .
ربما يسعى إلى أن يتمكن من أدواته الابداعية بشكل أفضل في المستقيل .
هذا وارد
لنلق نظرة إذن
1 / عرض البيت الاول
----------------------------------------------
خلع الربيـــع على الحبيبة حسنـه *** و الطير عاد مغــــــردآ ومزفزفـــــا !!
2 / الكتاية العروضية للبيت :
------------------------------
خلع رربيع على لحبيبة حسنهو *** وططبر عاد مغرردن ومزفزفا
3 / التقطيع العروضي للبيت
---------------------------------
* / الشطر الاول
---------------------
(خَـلَـعَــرْرَبِـــــي ) ( عُعَلَى لْحَبِـي) ( بَـتِـحُسْنَــهُـوْ )
( -/-/-/0/-/-/0 ) ( -/-/-/0/-/-/0) ( /-/-/-/0/-/-/0 )
(مُـــتَـفَـــاْعِــلُنْ ) ( مُـــتَـفَـــاْعِــلُنْ) ( مُـــتَـفَـــاْعِــلُنْ )
* / الشطر الثاني
---------------------
( وَطْـطَـبْـرُ عا ) (دَ مُغَـرْرِدَنْ ) ( وَ مُـزَفْزِفَــا)
( مُـــتْـفَـــاْعِــلُنْ ) ( مُـــتَـفَـــاْعِــلُنْ) ( مُـــتَـفَـــاْعِــلُنْ )
واضح من خلال هذا التقطيع التعليمي أن القصيدة صيغت على وزن البحر الكامل.
{ كما نلاحظ ثمة في الشطر الثاني إضمار : (أي تسكين الثاني المتحرك) .
إذ به تصبح (مُتَفَاْعِلُنْ) (مُتْفَاْعِلُنْ)،
يقول الشاعر : ( وَطْـطَـبْـرُ عا ) ( مُـــتْـفَـــاْعِــلُنْ ) هذا يندرج ضمن زحافات وعلل البحر الجائزة .
باختصار , لقد وجدت المعانى عند الشاعر - و في كثير من الأبيات - تستقر قبل القافية
معنى هذا أنه بهرول وراء القوافي فقط لاستكمال الايقاع . و دون أن يدرك أن هذا يضعف مضمون القصيدة بالحشو الزائد . .
لننظر إليه يقول :
وأتـى القصيد مشاركــآ أفراحنــــــا *** والحرف عاد منمقـــآ ، ومزخرفـــا
ألا ترى أن المعنى قد اكتمل عند عبارة - منمقا - ؟
و أن عبارة - مزخرفا - أتت زائدة عن التصوير , فقظ لكي تلبى الجرْس الموسيقي .
أي بما يحيل القيصدة الى نشيد ايقاعي وحسب
قس على هذا أبيات أخرى من فبيل :
والشعر أرسل نائبــآ ، متحدثــــــآ *** بعث (الفـرزدق ) شاعرآ ومؤلفــــا !
سؤال بسيط :
إذا بعث الشعرُ الفرزدقَ شاعرا فماذا يعني أن يبعثه مؤلقا .؟
ألا ترى أن المعنى الكلي للبيت استقام عند عبارة - شاعرا - .
قس أيضا :
والضــوء والنسم العليــل تلاقيـــــا *** عند المســـاء تمازجــــــا وتآلفــــا !!
.....إلخ
في القصيدة أبيات تومئ بالضعف و فيها ما يبدي قوة مبهرة مثل البيت الذي يقول فيه
والشمس قد أُخذت بسحر ودادنــا *** بعثت خيوط الحــب تُشعــرُ بالدفـا !!
عموما يمكن القول إن الشاعر يختزن طاقة شعرية مهمة يجب أن تصقل أكثر
هوامش :
--------------
{1} القصيدة
خلع الربيـــع على الحبيبة حسنـه .. و الطير عاد مغــــــردآ ومزفزفـــــا !!
أما النسيم فلم يراقص غيرهــــــــا .. رقص النسيم مع الحبيبـة واختفى !
حضر ( الكمان ) مشاركــآ ومهنئـــــآ .. لما أتى ولج الحــدائق عازفـــــــــا !!!!
و( العود) أرسل لحنه متناغمــــــــآ .. لمـّا أتى كان الحضـــور مشــــّرفــا !!
والرمـــل من فرح تســّلل خفيــــة .. وأتــى يشاركنـــا السعادة زاحفــــا !!!!
والكوكب المختــال فى عليائــــــــه .. بعث النجـوم مهنئــــآ ، متعاطفـا !!
والبحر أرســـل موجــه متراقصــــــآ .. عاد النسيـــــم مغــّردآ ، ومهفهفا !
وأتـى القصيد مشاركــآ أفراحنــــــا .. والحرف عاد منمقـــآ ، ومزخرفـــا !!
و(البحترىُ ) بعث الربيــع مهنئــــــآ .. جاء الربيــع مشاركــآ ، ومزفزفــــا ! (1)
والشعر أرسل نائبــآ ، متحدثــــــآ .. بعث (الفـرزدق ) شاعرآ ومؤلفــــا ! ( 2)
كل الزروع تبســّمت فى غبطــــــة .. و( القمح ) جــاء مباركــآ ، متلهفّــا !!
والشمس قد أُخذت بسحر ودادنــا .. بعثت خيوط الحــب تُشعــرُ بالدفـا !!
والضــوء والنسم العليــل تلاقيـــــا .. عند المســـاء تمازجــــــا وتآلفــــا !!
هى فرحــة ولجت لروضــة عشقنا .. مزدانـــة بجميــع ألوان الصفـــــــــا !!
ماعاد هجـــر بالنــوى يغتالنـــــــــا .. فاليــوم قد أُنسيــــت ألوان الجفــا !!!
فالحب صار اليــوم يبسم ضاحكـــــآ .. والقلــب صــار اليوم يهمس بالوفا !!
{2} تصويب الإبداع
أناشد الشعراء الاهتمام أكثر بهذه المستويات :
1/- مستوى المعجم :
--------------------------------
العمل على اختيار مواد المعجم المستخدمة في القصيدة بطريقة تعمق الدلالات الشعرية و تؤدي إلى خلق الانسجام
2 /- مستوى الإيقاع بنوعيه :
الإيقاع الخارجي
-------------------------------
التمكن من ضبط الوزن و القافية والروي مع الانتباه إلى مدى خدمة هذا الإيقاع للمضمون وليس العكس
-الإيقاع الداخلي:
-------------------------
إن الموسيقى الداخلية في النص الشعري أمر مجمزد :
فتناغم الأصوات ( الصوامت والصوائت)- و العبارات و الجمل و المقاطع -- تزيد لا ريب من جمالية القصيدة .
تكرارالتطابق و التجانس و الصيغ الصرفية و الترادف و التضاد يزيد من ذلك أيضا
إن خلق الانسجام الصوتي يعمق الإحساس بالدلالة و يضع الرؤية الشعرية في عمق السمع.
3-/ المستوى الدلالي:
-------------------------------
أقصد علاقة الدال بالمدلول و ما تؤديه من صورشعرية فنية
فكلما استطاع الشاعرأن يخلخل تلك العلاقة اللغوية العادية -- خالقا بذلك علاقات فنية جديدة - - كلما كان فنانا مبدعا هذ أكيد
إن اللغة الشعرية ليست سوى تلكم اللغة التي ترتفع عن اللغة اليومية / العادية عبر إبداع الصورة الفنية المدهشة :
و الإبداع عموما يتحقق :
أولا -"عبر منظور الصورة الفني
---------------------------
......أي إبداع الصورة الشعرية عبر الدلالات البلاغية من تشبيه و استعارة ... إلخ بما يؤدي إلى خلق توتر فني بين الدلالات الحقيقية و المجازية
--------------------------
ثانيا -/ عبر منظور الصورة الكمي
--------------------------------
فقلة الصورالشعرية في القصيدة تعني ضحالة الخيال عند الشاعر وغلبة النزعة التقريرية /المباشرة عنده
إن خصوبة الخيال تمر عبر سعي المبدع إلى الاستكثار من الصور الإبداعية بشكل يحقق شاعرية النص وبعده الإيحائي
3 -/ المستوي اللغوي / النحوي
--------------------------------
لكي يكون المتن الشعري ممتازا , لا بد من صياغة أجزاء القصيدة بشكل سلس و سليم , فالأخطاء اللغوية تقلل من شأن المبدع
Aucun commentaire:
Publier un commentaire